أُقيل تين هاج من القيادة الفنية لنادي مانشستر يونايتد أخيراً، وهي الإقالة التي تبدو متوقعة طبقاً لنتائج الفريق الأخيرة، لذا قد نجد الآن عشرات الآراء التي تفند أسباب فشل المدرب بمعزل عن تقييم قرار الإدارة التي منحته فرصة كافية، وإن تلقت الإدارة لوماً فربما يتعلق بتأخر هذا القرار.
تاريخ كرة القدم لم يكن متسقاً مع هذا المنطق دوماً في ما يتعلق بإقالات المدربين، فهناك مدربون أقيلوا وهم على قمة ترتيب الدوري، وآخرون عرفوا بقرار الإقالة بين شوطي المباراة، وهناك مدربون لا تزال أخبار إقالتهم تطاردهم مثل الكوابيس بعد مرور سنوات تغير فيها كل شيء.
نستعرض هنا قصصاً درامية تتمحور حول إقالة المدربين في عالم كرة القدم المجنون، لكن دعنا نبدأ من قصة الرجل الذي خسر بثمانية أهداف بقميص برشلونة، فتحول حلمه إلى كابوس لا ينتهي!
تتمحور فلسفة كيكي ستين التدريبية في الأساس حول أفكار يوهان كرويف وما قدمه رفقة برشلونة، وقد مكنته تلك الفلسفة من لعب كرة قدم جذابة مع أندية مثل لاس بالماس وريال بيتيس. ورغم هذا كله، لم يفكر ستين ولو للحظة أنه قد يتولى يوماً تدريب نادٍ بحجم برشلونة.
إلا أن ما لم يتخيله أحد حدث بالفعل، وصل سيتين إلى كامب نو في يناير 2020 بعد أن أقال الرئيس جوسيب بارتوميو المدير الفني إرنستو فالفيردي، تلك الإقالة التي أدت إلى خلاف علني بين ليونيل ميسي والمدير الرياضي إريك أبيدال، وهو ما تزامن مع استقالة سبعة من مديري النادي بسبب الفضيحة المتعلقة بالإضرار بنجوم الفريق عمداً على وسائل التواصل الاجتماعي.
«لم أتوقع ما وجدته هناك، كان الوضع المؤسسي سيئاً للغاية. وسط بيئة متوترة بشكل واضح، كان الأمر صعباً يوماً بعد يوم».
— كيكي ستين
كان سيتين قلقًا بشأن مشاكل الفريق، وأهمها الافتقار إلى التنظيم الدفاعي. ولكن كان من الصعب أن يجبر أسماء مثل ميسي ولويس سواريز وجيرارد بيكيه وسيرجيو بوسكيتس على البدء في القيام بالأشياء بشكل مختلف. ويتحول الأمر إلى لغز كبير عندما يتعلق بميسي تحديداً، فلاعب مثل ميسي حمل برشلونة سنوات فوق كتفيه ما الذي يمكن أن يقدمه له كيكي ستين. لم يكن خطأ ستين أنه وجد نفسه ضائعاً بين نجوم البلوجرانا بل كان خطأ مَن قرر تعيينه!
ثم حدث ما غير مسيرة ستين تماماً، آمن الرجل أن لاعبيه يمكنهم مجابهة بايرن فليك، فكانت كارثة الخسارة بثمانية أهداف ليقال المدرب الذي ظلت تلك النتيجة ملاصقة له حتى يومنا هذا، ليتحول حلم الرجل العجوز إلى كابوس لا ينتهي أبداً!
بعد أن مر بعض الوقت، ترى الأمر وكأن شاحنة قد دهستك، ما حدث لم يترك علامة كبيرة على لأنه لم تكن هناك فرصة لإصلاح أي شيء، أرى أن أي شخص آخر كان ليحدث له نفس الشيء.
عندما قرر جوسيب بارتوميو استبدال إرنستو فالفيردي بكيكي ستين، لم يكن فالفيردي في وضع كارثي رغم كل ما تحدثنا حوله من ظروف النادي في تلك المرحلة، بل كان على قمة الدوري، وهي البطولة الأكثر عدلاً في ما يتعلق بتقييم المدربين، إلا أن قمة الدوري أحياناً لا تكفي.
يبدو المثال الصارخ هنا هو مدرب نانت الحالي أنطوان كومبواريه الذي تولى القيادة الفنية لنادي باريس سان جيرمان في مايو 2009 وحقق كأس فرنسا في موسمه الأول ثم حضر الخليفي من قطر إلي باريس ليقرر أن هذا الرجل لا يناسب المرحلة الجديدة وتوقعاتها المرتفعة، التي بدأت بتعاقدات بارزة رفقة أسماء مثل كيفن جاميرو وخافيير باستوري وجيريمي مينيز.
لم يكن كومبواريه على قدر توقعات الخليفي وهذا يبدو منطقياً، لكنه كان يبلي جيداً في ما يتعلق بتدريب النادي، إذ احتل صدارة الدوري الفرنسي قبل نهاية النصف الأول منه، وهو ما لم يشفع له أبداً! لذا قرر المدير الرياضي الجديد للفريق ليوناردو استبداله بكارلو أنشيلوتي، الذي أنهى الدوري في المركز الثاني خلف مونبلييه!
أما المثال الصارخ في ما يتعلق بقرارات إدارات الأندية الجديدة وتعاملها مع مدربي الفرق الرياضية فهو من نصيب المدرب ليروي روسينور، حيث تمت إقالته بعد 48 ساعة فقط من تعيينه مديراً فنياً لفريق توركواي يونايتد الإنجليزي، حيث تم بيع النادي وقرر المالك الجديد تعيين مدرب آخر خلاف ليروي.
في أبريل 2003 أقال نادي كريستال بالاس القابع في دوري الشامبيونشيب آنذاك مديره الفني تريفور فرانسيس قبل ست مباريات من نهاية الموسم طمعاً في ضمان التأهل للدوري الإنجليزي، إلا أن اليوم الذي أُخبر فيه فرانسيس بأنه مطرود كان يوم عيد ميلاده!
يحكي رئيس النادي أن فرانسيس لم يستطع تجاهل خيبة أمله هذا اليوم، بل إنه جلس بهدوء وقال: لكن اليوم هو عيد ميلادي.
هناك بعض الإقالات المتوقعة كما ذكرنا من قبل، لكن هذا لا يعني أبداً تقليل الاحترام تجاه المدير الفني أثناء الرحيل. هذا ما عانى منه المدرب الهولندي مارتن يول، حيث قررت إدارة توتنهام هوتسبير وضع حد للنتائج السيئة للفريق وذلك بإقالة يول وتعيين خواندي راموس بدلاً منه.
إلا أن توقيت القرار كان سيئاً للغاية، حيث كان توتنهام يلعب مباراة في كأس الاتحاد الأوروبي ضد خيتافي، وتسرب الخبر بطريقة ما بعد انطلاق المباراة في وايت هارت حتى إنه وصل إلى الإداريين في الملعب وكذلك الجماهير.
لم يُرد يول أكثر من الخروج إلى فترة الاستراحة بين الشوطين ليعرف الخبر من خلال رسالة نصية أرسلها له أحد أصدقائه تفيد بأنه طُرد بالفعل! حاول النادي العثور على الشخص وراء تسريب هذا الخبر، إلا أن نتيجة البحث لم تكن ذات أهمية، خصوصاً بعد انتشار صور تجمع نائب رئيس النادي مع خواندي راموس المدرب الجديد قبل شهرين من خبر الإقالة.
تصنف وظيفة المدير الفني في عالم كرة القدم على أنها إحدى أكثر الوظائف انعداماً للأمان على الإطلاق، فقد خلصت دراسة حديثة إلى أن متوسط فترة عمل مدير كرة القدم في الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا استمرت بين 35 و69 مباراة فقط.
يشكل انعدام الأمان الوظيفي دافعاً منطقياً إلى التعاطف، إلا أن بعض المديرين الفنيين يستفيدون من إقالتهم على الجانب المادي بشكل مبهر. فقد تلقى جوزيه مورينيو اثنين من أكبر خمسة تعويضات تعاقدية في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز؛ 16 مليون جنيه إسترليني بعد إقالته من توتنهام هوتسبير 2021، و19.6 مليون جنيه إسترليني من مانشستر يونايتد. كذلك تلقي جراهام بوتر ما يقارب الـ13 مليون دولار بعد رحيله عن تشيلسي غير المتوقع بعد ستة أشهر فقط.
من الناحية النفسية تعد عمليات الإقالة من العمل بشكل عام حدثاً صادماً، لأننا شئنا أم أبينا فإن مكان العمل جزء أساسي من هوياتنا وحياتنا. لذلك عندما نُفصل يمكن أن نشعر وكأننا نُبذنا في النهاية بعد كل ما فعلناه من مجهود. وهذا بعيداً عن المخاوف العملية المتعلقة بفقدان الدخل ومعرفة الخطوات التالية أو الوظيفة التالية.
غالباً ما يضطر الشخص الذي أقيل من العمل إلى الصمت النسبي تجاه ما حدث. هذا لأن مناقشة الأمر بصراحة قد تضر بآفاق العمل المستقبلية. لذا فإن الحدث المؤلم المتمثل في الإقالة لا يمكن معالجته بالكامل أبداً، وقد يشعر الشخص الذي يمر به بالعزلة الشديدة وعدم الجدارة والوحدة. وربما هذا ما يفسر أن كل المديرين الفنيين الذين أقيلوا بشكل درامي لم يتحدثوا عن الأمر إلا بعد مرور أعوام.
قد يكون الأمر أخف أثراً في عالم كرة القدم، إذ يتوقع دوماً أن يقال المدير الفني في أي وقت، لكن هذا لا يعني أبداً أنه بمأمن عن الضرر النفسي خصوصاً إذا كانت تلك الإقالة تتضمن بشكل أو بآخر شيئاً من عدم الاحترام والتقليل.